رواية مغرم مجنون البارت الأول حتى البارت السابع بقلم خديجه احمد حصريه وجديده على مدونة أصل للمعلومات والروايات
![]() |
رواية مغرم مجنون البارت الأول حتى البارت السابع بقلم خديجه احمد حصريه وجديده على مدونة أصل للمعلومات والروايات
هاجر رجعت من كندا بعد سنتين من الغربة ، قلبها مليان شوق وحنين لمصر، عايزة تشوف مامتها وباباها بعد طول غياب.
رغم إن باباها ومامتها منفصلين، باباها دايمًا بيسأل عليها وقلقه عليها كان واضح، وده كان بيرسم إحساس بالدفا والأمان في قلبها.
أما مامتها، فكانت مشغولة طول الوقت بشغلها، وكل يوم لها مواعيده ومهامه اللي واخدة كل وقتها، وده خلاها تحس شويه بالغربة حتى وهي موجودة في البيت.
هاجر وهي ماسكة الموبايل في إيدها، إيديها كانت متوترة والعرق بيلمع على كفها من التعب والسفر الطويل. أول ما سمعت صوت مامتها، قلبها دق بسرعة، مستنية الكلمة اللي تحسسها إنها وحشتها، أو حتى جملة صغيرة فيها شوق.
لكن رد نيهال جه بارد، مختصر، زي ما يكون واجب بتأديه:
ــ "طيب يا حبيبتي، روحي على العنوان اللي بعتهولِك والخدامة هتفتحلك."
هاجر عضّت شفايفها بضيق، الصوت خرج من صدرها متحشرج:
ــ "يعني… انتي مش هناك؟"
نهى قالت بسرعة، بنفس النبرة المجهدة:
ــ "آه معلش يا هاجر، أنا في الشغل. على بليل هكون عندك."
ثواني بعدها، المكالمة اتقفلت.
هاجر فضلت تبص للموبايل كأنها مش مصدقة إن الكلام خلص كده. تنهدت تنهيدة طويلة، مليانة زعل مكتوم، ورمت راسها ورا على الكرسي وهي تهمس لنفسها:
"يعني بعد سنتين غياب، أول حاجة تقابلني بيها… غياب تاني؟"
جواها شعور بالخنقة، مزيج ما بين الشوق اللي اتكسر في لحظة، والزهق من واقع بتحسه متكرر… حتى بعد الرجوع.
بعد ساعات قليلة، وقفت هاجر قدام باب الفيلا. الشمس كانت بتنحني وبتلقي خيوطها على واجهة البيت، لكن قلبها كان تقيل ومليان حزن. السواق نزل الشنط وحطها في الجنينه، وبعد كده سابها تمشي لحد الباب.
هاجر بصت للفيلا، عيونها متفحصة كل زاوية من بره، بتحاول تقرأ البيت وتستشف منه روحها اللي كانت متوقعة تحسها هنا. ومع كل لحظة، الحزن كان بيتسرب أكتر.
خبطت على الباب، وسرعان ما سمعت صوت رجل من جوه يقول:
ــ "خليكي، أنا هفتح."
وقفت هاجر متوترة، وعينيها مفتوحة على اتساعها. الصوت كان حازم وهادئ في نفس الوقت، لكنها مش فاهمة مين الشخص اللي بيتكلم. إحساس الغربة ازداد جوهها، مش بس عن البلد، كمان عن المكان والناس اللي حوالينها.
راكان فتح الباب، وبصلها باستغراب واضح على وشه، كأنه شايف حد غريب تمامًا.
ــ "مين انتي؟"
هاجر حست بالارتباك، لكنها ردت بسرعة، وهي بتحاول تتأكد من العنوان اللي مامتها بعتتهولها:
ــ "مش دا بيت مدام نيهال؟"
راكان حط كفه على كتف الباب شويه، ورده جاء هادئ لكن مليان دهشة:
ــ "مدام نيهال مرات أبويا."
هاجر وقفت للحظة، الصدمة خدت قلبها ومخها مع بعض، وعيونها اتسعت:
ــ "إيه؟!"
راكان وقف قدامها، عيناه فيها لمعة فضول خفيف، وسألها:
— انتي هاجر؟
هاجر اتجمّدت للحظة، الصدمة ماليا عينيها، وصوتها خرج شبه همس:
— أيوا… أنا… إنت تعرف اسمي منين؟
ابتسامة خفيفة وراقة ظهرت على وش راكان، حاول يكسر التوتر وقال:
— طب ادخلي… ادخلي.
دخلت هاجر، ورغم خطواتها الهادية، كانت علامات الصدمة واضحة على وشها، عيونها مليانة استغراب وغضب مختلط. رفعت راسها وهي تنفجر بسخرية مرة:
— إزاي… إزاي ماما تتجوز من غير ما تقولي؟
راكان ضحك ضحكة خفيفة، فيها شوية حيرة وسماجة:
— آه… هي… هي مقالتش ليكي.
هاجر رمت له نظرة فيها استهزاء وجرح عميق:
— وهي من إمتى بتقولي حاجة عنها… ولا عن حياتها؟
في كل كلمة كانت فيها موجة من الغضب، خيبة الأمل، وحس بالخيانة، وكأنها بتحاول تلمّ كل شعوراتها المتضاربة في جملة واحدة.
هاجر وقفت قدام راكان، قلبها بيضرب بسرعة، عينها مليانة غضب وحزن مع بعض، وصوتها ارتجف شوية:
— يعني كل حياتي وقراراتي ومشاعري… مش لها أي قيمة؟ ماما عملت كده من غير ما تفكر فيا؟
راكان حاول يهدي الجو، صوته ودي:
— هاجر… مفيش أي حاجة حصلت فجأة. هي كانت…
هاجر قطعته بغضب:
— كانت إيه؟ خايفة تزعلني؟ ولا خايفة أعترض؟ ولا يمكن كانت متعودة تاخد قراراتها لوحدها؟
راكان وهو بيحاول يسيطر على الجو المشحون، صوته طلع هادي بس فيه رجفة بسيطة:
— هاجر… لازم تهدي. مامتك هتيجي وهتشوفيها، تقدري ساعتها تكلميها بهدوء وتعرفي منها هي عملت كده ليه.
لكن كلامه كان زي الشرارة اللي وقعت على البنزين. هاجر انفجرت، عينيها بقت فيها لمعة دموع وغضب في نفس الوقت، وصوتها طلع حاد:
— انت مالكش دعوة بيا خالص! انت عمرك ما هتكون أخويا، فاهم؟ أنا ماليش إخوات!
الصدمة وقفت راكان مكانه، عينيه اتسعت ومبصتلها في لحظة صمت تقيلة. حسّ بالكلمة وهي بتخبط فيه زي حجر.
هاجر ما استنتش ردّه، قلبها كان تقيل من اللي حصل، فطلعت على السلم بسرعة، دخلت الغرفة اللي اتحطت فيها شنطتها، ورزعت الباب وراها. الباب اتقفل بصوت عالي كان هو التعبير الوحيد عن الغليان اللي جواها.
في الغرفة وقفت هاجر دقيقة، بتتنفس بسرعة، بتحس إنها تايهة وسط حياة بقت غريبة عليها فجأة.
الغرفة كانت واسعة بس غريبة عليها، كل حاجة فيها متوضبة بعناية، ستاير جديدة على الشباك، سرير متغطّي بمفرش لامع، وترابيزه صغيرة عليها فازة ورود صناعية. مكان غريب… مش بيتها، ومش غربتها اللي اتعودت عليها برّه.
هاجر وقفت في نص الأوضة، لسه بتنهج من العصبية. دموعها وقفت في عينيها، بس ما نزلتش. قلبها بيخبط بقوة، وأفكارها متلخبطة زي بحر هيج.
"إزاي؟ إزاي ماما تعمل كده من غير ما تقولي؟ إزاي تسيبني عايشة برّه سنتين… أرجع ألاقي حياتها اتغيّرت كده؟"
قعدت على طرف السرير، سندت وشها في كف إيديها، وصوت أنفاسها بقى تقيل.
"أنا طول عمري لوحدي… من وأنا صغيرة، وهي عمرها ما سألتني محتاجة إيه. دلوقتي جايه تخليني أشاركها فرحتها؟ فرحة هي نسيتني فيها؟"
رفعت راسها تبص حوالين الأوضة، كل تفصيلة فيها حسّستها بالاغتراب. حتى شنطتها اللي كانت متروكة في الركن، حسّت إنها الغريب الوحيد اللي بيتفرج على حياة جديدة بدأت من غيره.
قطع شرودها رنة موبايلها، لمّا شافت اسم "بابا" ع الشاشة، قلبها دق بسرعة. بسرعة مسحت دموعها بطرف إيدها، وحاولت تخلي صوتها عادي، فيه ابتسامة صغيرة عشان متكشفش اللي جواها:
— أيوا يا حبيبي.
جالها صوت أحمد، دافئ ومليان شوق:
— إيه يا حبيبتي، وصلتي؟
ابتسامة باهتة ارتسمت ع وشها من غير ما تحس:
— أيوه… لسه واصلة أهو.
صوت أحمد زاد حنية:
— طيب يا هجورة، استريحي النهارده، وبكره لازم تيجي عشان أشوفك، يا حبيبة بابا.
هاجر، وهي بتحاول تثبت صوتها، ردّت بسرعة:
— أكيد طبعًا يا حبيبي.
لكن أحمد حسّ إن فيه حاجة مش مظبوطة، صوته اتغير وبقى فيه قلق:
— إنتي كويسة؟ صوتك ماله؟
هاجر قفلت عن مشاعرها، حاولت تلاقي مخرج:
— لا… لا، أنا بس مرهقة شوية من السفر. هستريح وأكون كويسة. يلا… سلام يا حبيبي.
أحمد سكت لحظة صغيرة، وبعدين قال بصوت فيه شوية غصة:
— سلام.
سكت الموبايل، لكن جواها كان دوشة أكبر من أي كلام، وإحساس إنها محتاجة تحكي لباباها كل حاجة… بس في نفس الوقت مش قادرة.
في وسط دوامة التفكير والتعب، استسلمت هاجر من غير ما تحس، وغرقت في النوم.
عيونها العسلية تقفلت بهدوء، تايهة في بحر النوم اللي خطفها بعيد عن كل الضجيج.
على خدودها البيضاء، بقى فيه أثر واضح للدموع اللي سالت وممسحتش كويس، زي سطور حزينة محفورة ع وشها الرقيق.
ونمشها البني، اللي كان دايمًا يديها لمسة طفولية بريئة، بقى دلوقتي شاهد صامت على تعبها ووجعها.
نامت… بس كان نومها مليان هروب، أكتر ما هو راحة.
#مغرم_مجنون
البارت التاني
هاجر صحت من نومها على نص الليل. عيونها لسه متورمة من النوم والتفكير، قامت ببطء ووقفت قدام شنطتها. غيرت هدومها اللي كانت لسه ما بدّلتهاش من الإرهاق، لبست بيجامة بامبي ناعمة، لونها الطفولي ما قدرش يخفف من وجع قلبها.
نزلت السلم بخطوات ثابتة، لكن كل خطوة كان فيها ارتباك وحيرة. جواها كان فيه خليط غريب… شوق لمامتها اللي وحشتها، وضيق وغضب منها في نفس الوقت.
وصلت عند السفرة. لقت مامتها قاعدة على الطاولة مع جوزها الجديد، وابن جوز أمها اللي لسه حتى مش عارفة اسمه. قلبها اتقبض. إحساس وجع وذهول ملأها.
كانت نفسها تحس بجو العيلة دا… بس مع باباها ومامتها، مش مع ناس تانية. واللي قدامها ده كان صورة جديدة لحياة مامتها، وهي نفسها غريبة وسطهم.
نيهال رفعت نظرها، لقت هاجر واقفة بشرود، ابتسمت ابتسامة واسعة وقالت:
— ألف حمد لله على السلامة يا حبيبتي.
قامت بسرعة عشان تحضنها. لكن هاجر ما بادلتش الحضن، جسمها كان متحجر، بعدت عنها، وصوتها طلع منفعل، مليان حزن وغضب:
— إزاي متقوليش إنك اتجوزتي؟ عشان عارفة إنّي لو عرفت مكنتش هاجي، مش كده؟
بعدين زودتها بوجع:
— أنا مشفتش حد أناني أكتر منك.
نيهال انصدمت، صوتها بقى متوتر:
— إيه اللي إنتي بتقوليه ده يا هاجر! أنا اتجوزت على سنة الله ورسوله، والجواز مش عيب ولا حرام.
هاجر ردّت بسرعة، عينيها فيها لمعة دموع:
— ومدام الجواز مش عيب ولا حرام… خبيتي عني ليه؟ ها؟ كنتِ عاملاها لي مفاجأة يعني؟!
نيهال اتنفسّت بحدة، وقالت:
— ماقلتيش الكلام ده لأبوك لما اتجوز ليه؟ ولا هو حلال ليه وحرام ليا؟
هاجر صوتها انكسر وهي بتتكلم:
— متدخليش المواضيع في بعض. بابا قالي قبل ما يتجوز، واخد رأيي… لكن إنتي، إنتي اتجوزتي من غير حتى ما تعرفيني. أنا للدرجة دي مبقتش فارقة معاكي؟
نيهال سكتت، كلامها اختفى. راكان وأبوه قاعدين على السفرة بيراقبوا الموقف في صمت. الجو كان تقيل، كأن كل كلمة نزلت زي حجر في ميه راكدة.
هاجر ابتسمت بوجع وقالت بهدوء:
— أنا هروح بكرة أقعد مع بابا. شكلي كنت غلط لما قولت أجي أقعد معاكي.
وطلعت على السلم ببطء، رايحة على أوضتها. نيهال، صوتها ارتفع بغضب وحزن في نفس الوقت:
— مش هتتحركي يا هاجر على جثتي! لو خرجتي من هنا وأنا أمك، وهمشي كلامي عليكي… إنتي فاهمة؟
البيت كله سكت، ومافضلش غير صوت نفس هاجر وهي طالع السلم، وعيونها اللي بتلمع بالدموع.
أبو راكان بصّ على هاجر وهي طالعة على السلم، وبصوت خافض قال لابنه:
— روح شوف أختك يا راكان.
راكان اتردد لحظة، عيناه فيها صراع بين إنه يسيبها في حالها وإنه يسمع كلام أبوه. بعدين ابتسم ابتسامة جانبية فيها هدوء مصطنع وقال:
— حاضر يا بابا.
طلع على السلم بخطوات هادية. وقف قدام الباب اللي مقفول، وسمع صوت شهقاتها وبكاها بيقطع الصمت اللي في الدور كله.
خبط خبطتين خفيفتين:
— هاجر…
صوتها طلع متقطع ومختنق من البكا:
— مش عايزة أتكلم يا ماما.
فتح راكان الباب ببطء، دخل وهو بيحاول يحافظ على هدوءه. هاجر أول ما شافته رفعت راسها بعصبية وقالت:
— عايز إيه؟ وأوعى تفتكر إنك عشان ماما اتجوزت أبوك إنك بقيت أخويا، إنت فاهم؟
راكان وقف عند الباب، ابتسم ابتسامة صغيرة فيها محاولة تهدئة وقال:
— أنا عارف إن الموضوع جه فجأة… بس دا ميمنعش إن مامتك بتحبك وبتخاف عليكي.
هاجر، صوتها ارتفع وهي تحاول تمسح دموعها:
— قولتلك ما تدخلش بيني وبينها! هي أمي أنا… مش أمك إنت.
راكان قرب شوية، عينه فيها نظرة فاهمة، وصوته بقى أهدى:
— عارفة… إنتِ بتحاولي تقنعي نفسك بحاجة إنها أمك انتي بس، ودا صح. بس مش عايزة تتخيلي إنها ممكن تدي حب لابن مش ابنها… اللي هو أنا. ودا اللي مأثر فيكي.
الكلام وقع عليها زي صفعة صامتة. قلبها اتقلب، حسّت إنها عايزة ترد بس الكلام وقف في حلقها.
الكلمة الأخيرة نزلت على هاجر تقيلة زي الحجر. حسّت نار طالعة من جواها، دموعها ما وقفتش، وصوتها ارتفع بغضب مكتوم بقاله سنين:
— انتَ إزاي تجرؤ تقول كده؟! إزاي!
أنا طول عمري مستنيا منها كلمة حنية… نظرة، حضن بجد! عايشة معاها غريبة، وغريبة عنها.
تيجي إنت دلوقتي تقوللي إنها بتحبك زيي؟!
قامت واقفة بعصبية، إيديها بتترعش، وعينيها مليانة دموع:
— إنت عارف يعني إيه أبقى بنتها الوحيدة وأحس طول الوقت إنها مش شايفاني؟ إنت عارف يعني إيه أرجع من سفر سنين ألاقيها بدأت حياة جديدة… من غيري؟!
صوتها اتكسر فجأة، بقت ما بين البكا والصرخة:
— إنت آخر واحد في الدنيا ليه الحق يتكلم عن علاقتي بيها. هي أمي أنا… مش أمك، ولا هتبقى!
رمت نفسها ع السرير، دموعها نازلة بغزارة، وكأنها مش قادرة تسيطر على نفسها أكتر.
راكان وقف مكانه مصدوم من شدّة انفجارها، ابتسامته اختفت، وملامحه اتبدلت لجدية وصمت.
الجو في الأوضة بقى تقيل، مفيش غير صوت بكاها اللي كان بيخترق قلبه من غير ما يعرف يرد.
سكت راكان شوية، عينه نزلت للأرض، وصوته اتغير من الهدوء للسكون اللي بيخبي وراه وجع قديم:
— إنتي عندك حق… هي عمرها ما هتحبني قد ما هتحبك.
بس… كنت بتمنى يكون عندي عيلة. من بعد ما أمي توفت وأنا طفل، وأنا عايش لوحدي… بابا طول الوقت مسافر، والبيت فاضي، والليل طويل.
كنت بتمنا يبقى عندي أخوات… عيلة تحسسني إني زي أي حد في سني.
رفع عينه ليها، نظرته لأول مرة ماكانتش فيها أي ابتسامة، ولا حتى محاولة يبان قوي. كانت نظرة صريحة كلها حزن:
— أنا مش داخل حياتك عشان أخد مكان حد… أنا نفسي ألاقي مكان ليا.
هاجر سكتت فجأة، كأن كلماته جمدت غضبها للحظة، قلبها اتلخبط، مش عارفة ترد ولا حتى تنظر في عينه.
هاجر مسحت دموعها بعصبية، قلبها لسه بيدق بسرعة، وكأنها مش عايزة تعترف إن كلامه لمسها:
هاجر بحدة: الكلام الحلو مش هيغير حاجة، أنا مش طالبة منك تعوضني عن حاجة.
سكتت ثواني وعينيها هربت بعيد عنه: بس… يمكن فاهمة اللي انت قصدته.
راكان ابتسم ابتسامة صغيرة بس كانت مختلفة، فيها شوية ارتياح إنه نجح يخليها تسمعه:
— مش عايز أكتر من كده دلوقتي.
هاجر بصت له بنظرة مترددة، ما بين رغبتها تكمل الخصام، وبين حاجة جواها بتقول لها "اسمعيه."
سابها وخرج، بس قبل ما يقفل الباب وراه كانت عينه لسه بتبص عليها كأنه عايز يقول "أنا قولت اللي جوايا خلاص."
هاجر فضلت قاعده مكانها، صوت دقات قلبها عالي جوه ودانها، ومش قادرة تحدد إذا كانت متضايقة منه ولا متأثرة بيه.
الليل عدى تقيل، كل ما تحاول تنام تفتكر كلامه عن الوحدة والعيلة. دماغها مليانه أسئلة:
هتعرف تستحمل تعيش وسط حياتهم الجديدة دي؟
ولا هتنهزم قدام وجعها وتروح تقعد مع باباها؟
لقت نفسها تايهة بين اختيارات مالهاش إجابة واضحة، والليالي الجاية هي اللي هتحدد إذا كانت قوية كفاية ولا لأ.
صحيت هاجر تاني يوم، ونزلت بخطوات مترددة على ريحة الفطار اللي ماليه البيت.
نيهال كانت قاعده ع السفرة، ملامحها متجهمة والزعل باين في عينيها، لكن ولا كلمة طلعت منها.
هاجر برضه قعدت قصادها من غير ما تقول حاجة، كأن بينهم جدار من صمت تقيل.
سمير، جوز أمها، حاول يكسر الجمود بابتسامة بسيطة وهو بيصب الشاي:
– قوليلي يا هاجر يا حبيبتي… انتي ناوية تشتغلي ولا تعملي إيه بعد ما رجعتي من المنحة؟
هاجر رفعت عينيها وبصت له بشرود:
– والله لسه مش عارفة.
وسكتت من غير ما تكمّل.
هو ابتسم ابتسامة أبوية وقال:
– ع العموم أي قرار هتاخديه… احنا معاكي فيه.
الكلمة علقت في دماغها: إحنا؟
والأكتر منها كلمة معاكي.
حست بغصة صغيرة، كأن الكلمة دي أول مره تسمعها
لأنها كانت عايشه وسط اسره مفككه
#مغرم_مجنون
البارت التالت
كانت قاعدة ع السفرة، شارده، كأنها مش موجودة وسطهم. فجأة موبايلها رن برسالة جاية من رقم مش متسجل.
فتحتها بآلية، لكن عينيها وسعت وهي بتقرأ:
"مهتمتيش تعرفي اسمي، بس ع العموم أنا اسمي راكان."
رفعت عينيها قدامها ببطء، لقت راكان ماسك موبايله وباصصلها بابتسامة جانبية صغيرة، كأنها ابتسامة متحدية أكتر منها ودودة.
قلبها اتقبض، رجعت تبص في الموبايل، كتبت بسرعة:
– جبت رقمي منين؟
جاوبها بعد ثواني قصيرة:
– سر المهنة.
رفعت عينيها له تاني، البسمة لسه مرسومة على وشه، وعيونه مليانة غموض.
تنفست بضيق، وشالت عينها بسرعة وسكتت، كأنها بترفض تديله الإحساس إنه قدر يستفزها.
سكتت هاجر شوية، عينيها في الطبق قدامها، وبعدين رفعت راسها وقالت بنبرة ضيق:
– أنا هروح لبابا النهارده.
نيهال ردت من غير ما تبص عليها، صوتها جاف وفيه أمر:
– مش هتروحي في حتة… أنا قولت هتفضلي معايا.
هاجر اتنهدت بسخرية مريرة، وضحكة قصيرة خرجت من بين شفايفها:
– أنا رايحة أقعد معاه شوية وراجعة، مش هبات… ودا مش عشان انتي قولتي، عشان أنا مش عايزة أتقل عليه ولا أشيله همي.
نيهال، وهي بتاكل من غير ما ترفع عينيها:
– خدي راكان معاكي.
هاجر رفعت راسها بسرعة، نظرتها كلها تحدي:
– ودا ليه إن شاء الله؟
سمير حاول يخفف من حدة الموقف، صوته هادي وناعم:
– خليه يوصلك بالعربية يا حبيبتي، عشان متتعبيش في المواصلات.
هاجر كانت على وشك تعترض، لكن قبل ما تفتح بقها، راكان اتدخل بسرعة، ابتسامته جانبية وصوته فيه ثقة:
– مفيش مشكلة يا بابا، أنا هوصلها في طريقي للشغل.
وقف وهو بيحاول يخفي لمعة الانتصار اللي في عينيه، وأسرع يكمل:
– هروح أدور العربية… عقبال ما تلبسي.
مشي من غير ما يبص لهاجر، سايبها متكتفة، متحجرة في مكانها، الغضب مالي عينيها…
طلعت هاجر أوضتها وهي غضبانه، بس بتحاول تبين عكس كده.
وقفت قدام المراية لحظة طويلة، كأنها بتتحدى انعكاسها.
اختارت توب لبني فاتح بيبرز هدوء ملامحها رغم الضيق اللي جواها، ولبست معاه بنطلون جينز أزرق غامق.
سيبت شعرها البني على طبيعته، نازل على كتافها بخفة، وكأنها قررت من غير قصد تعلن تمردها على كل القيود اللي حواليها.
بصت لنفسها تاني في المراية، لمعة صغيرة من التحدي عدت في عينيها… وبعدين أخدت نفس عميق ونزلت.
على الكرسي، والشباك مفتوح والهواء داخل بهدوء.
لما لمح هاجر نازلة، ابتسم ابتسامة جانبية كأنها ابتسامة ترحيب، بس مليانة تحدي.
اتجهت ناحيته بخطوات سريعة، عيونها طالعة شرار. وقفت قدام العربية وقالت بصوت منفعل:
– بقولك إيه… أنا مأعترضتش عشان محرجش والدك، بس أنا مش هروح معاك.
مدت إيدها وخبطت على كبوت العربية بقوة، وكملت بعناد:
– اتفضل بقى روح من هنا… وأنا هروح بتاكسي.
ضحك راكان ضحكة استهزاء، علي صوته وهو يقول:
– إحنا في كومبوند، يعني مش هتلاقي تاكسي دلوقتي.
قرب بوشه من الشباك، عينيه بتلمع بتهكم وهو يكمل:
– وأكيد مش هتروحي مواصلات… عشان متتبهدليش.
هاجر وقفت لحظة، كلامه نزل عليها كأنه واقع منطق مش قادرة تنكره. عضت شفايفها بضيق، وعينيها راحت بعيد كأنها بتفكر في مخرج… بس لقت نفسها محاصرة بالواقع.
بصت له تاني، لقت ابتسامته المستفزة لسه على وشه، كأنه واثق إنها مش هتلاقي حل غير تركب.
تنهدت بغيظ، ورمت شنطتها على الكرسي اللي جنبه بعصبية، وفتحت الباب بقوة.
قعدت في العربية وهي متكتفة، عينيها مثبتة على الزجاج الأمامي، كأنها مش شايفاه أصلًا.
راكان، وهو مش قادر يخبي ابتسامته، قال بهدوء فيه سخرية:
– كده أهون… صدقيني أنا أسوق أريحلك من ألف تاكسي.
هاجر التفتت له بسرعة، نظرتها نارية:
– بطل أسلوبك المستفز ده، أنا ساكتة بس عشان أوصل وبس.
ضحك بخفوت، وبدأ يدور العربية، صوته واطي بس مسموع:
– زي ما تحبي… بس شكلك وانتي متعصبة بيضحكني.
هاجر شهقت بضيق، ولفت وشها ناحية الشباك، محاولة تخفي ارتباكها وسط الغضب اللي ماليها.
طول الطريق، كانت هاجر ساكتة، عينيها معلقة بالفراغ قدامها، كأنها تايهة في بحر ملوش آخر. الأفكار بتتصارع جواها: حياتها اللي اتشقلبت فجأة، صدمة جواز أمها، ووجود راكان اللي بقى غريب في بيتها.
قطع شرودها صوت راكان، هادي بس فيه لمسة فضول:
– على كدا بقى… اتخرجتي من كلية إيه؟
التفتت له هاجر بحدة، نظرة كأنها سهم، وبعدين رجعت لسكاتها من غير ما تنطق.
هو ما اتأثرش، بالعكس كمل كلامه كأنه بيجس نبضها:
– أنا متخرج من إدارة أعمال.
هاجر، من غير ما تبص له، ردت ببرود جليدي:
– مش مهتمة أعرف.
ضحك بخفة، ابتسامة جانبية ظهرت على وشه، وصوته واطي لكن واثق:
– بس أنا… مهتم أعرفك.
بصتله بضيق وسكتت
وأخيرًا وصلوا قدام البيت.
هاجر فتحت باب العربية بسرعة، ونزلت بخطوات سريعة، كأنها عايزة تقطع أي لحظة بينهم.
وقفت عند الشباك، ومدت إيدها بكام ورقة فلوس، ورمتها جواه:
– تفضل…
راكان رفع حاجبه وهو بيبص للمبلغ اللي نزل على الكرسي جنبه، وبص لها بسخرية واضحة:
– إيه دا؟
هاجر ردت باستهزاء، نبرة صوتها مليانة تحدي:
– حق الأجرة… والبسبوسة اللي دفعتلي حقها.
وسابت الكلمة تترن في ودانه وهي بتدور وتسيبه، ماشية بخطوات ثابتة، ظهرها ليه وكأنها قفلت الباب في وش أي محاولة منه.
راكان فضل قاعد، ابتسامته الجانبية رجعت، بس عينيه فيها بريق مختلف… كأنها أول مرة يلاقي حد قادر يرد عليه بنفس القوة.
بعد ما راكان اتحرك بالعربية في طريقه للشغل، فضلت هاجر ماشيه بخطوات سريعة لحد ما وقفت قدام باب شقة أبوها.
قلبها كان بيدق بسرعة، دقات مليانة فرحة ولهفة… أخيرًا، هتشوفه. كل التعب والزعل اللي جواها اتحول للحظة انتظار، لحظة فيها أمل.
مدّت إيدها وخبطت على الباب، إيدها كانت بترتعش من جوه رغم ثباتها من برّه.
الباب اتفتح… ووش حنان مرات أبوها، ظهر بابتسامة دافية.
– الغالية…
قبل ما هاجر تقدر حتى تنطق، هناء فتحت دراعاتها وضمتها لحضنها، حضن مليان حنية صادقة، كأنه بيحاول يعوضها عن كل حاجة وجعاها.
هاجر اتسندت عليها، وعينيها دمعت من غير ما تقصد، الدموع كانت دموع فرحة وشجن في نفس الوقت.
جاء صوت أحمد من جوه الشقة، صوته مليان شوق ولهفة:
– حبيبة بابا…
وبمجرد ما شافها، فتح دراعاته على آخرها.
هاجر ما استحملتش، جريت عليه وارتمت في حضنه رجعت أخيرًا لمكانها الآمن.
قالت بصوت مخنوق بالدموع، بس مليان حب:
– وحشتني أوي… أوي يا بابا.
أحمد ضمها أكتر، وإيده بتطبطب على ضهرها بحنان أبوي غامر، صوته رقيق وهو بيقول:
– وانتي كمان يا حبيبتي… نورتي مصر، يا قلب باباكي.
هاجر أغمضت عينيها وهي في حضنه، حسّت إن كل التعب والغربة والزعل اتبخروا في اللحظة دي… وكأن الدنيا كلها اتسوت بس بحضنه.
بعد دقائق قليلة، كانوا قاعدين في الصالة، الجو مليان بهجة ودفا.
هاجر كانت شايلة طفل صغير بين إيديها، عيونها كلها حب وهي بتبصله. ابتسمت وقالت بحنان:
– جميل… اسم على مسمّى فعلًا.
حنان طبطبت على كتفها بابتسامة رضا وقالت:
– شبهك على الآخر يا هجورة.
هاجر ضحكت بخجل وهي بتلعب في صوابع الطفل الصغير، كل مرة يضحك فيها كانت تحس قلبها بيرقص.
لمست خدوده الصغيرة وقالت بحب:
– ربنا يحفظك يا جميل
الصالة كانت مليانة دفء… كأن وجود الطفل قربهم من بعض أكتر وخلى اللحظة دي تبقى ذكرى مش هتتنسي.
في مكتب واسع متقسم بدقة، راكان كان قاعد على مكتب الإدارة الفخم، قاعد بإيده على الكيبورد بس عقله واضح إنه مش حاضر.
قدامه على الكرسي كان عبد الرحمن، صديقه وزميله المقرب.
راكان تنهد وقال بضيق:
– بس يا عم… البيت متوتر اليومين دول.
عبد الرحمن هز راسه بتفهم وقال:
– يومين وهيعدوا… هو برضه ليها حق تتصدم وتاخد موقف من مامتها.
راكان مسك القلم اللي قدامه وبدأ يلفه بين صوابعه وقال بنبرة شبه مترددة:
– أنا مش عارف أتعامل معاها، مرة بتبصلي كإني غريب… ومرة كإني متهم في محكمة.
عبد الرحمن بابتسامة خفيفة:
– متنساش إنها راجعة بعد غربة… ولسه مش متعودة على وجودك في حياتهم. إديها وقت… الوقت ساعات بيعمل اللي الكلام ما يقدر٣ش يعمله.
راكان سكت، عيونه تاهت في نقطة قدامه، كأن كلام عبد الرحمن حرك حاجة جواه مش قادر يعبر عنها.
بعد يوم طويل، مليان ضحك وحكاوي وأحضان دافية، كانت هاجر واقفة عند باب الشقة. عينها لسه متشبعة من صورة أبوها وهو بيبصلها بحب، وصوت ضحكته بيرن جواها.
حنان مدت إيديها ليها بحنية الست اللي بتتمنى تكسب قلب بنت مش بنتها:
– بحب، ابقي تعالي تاني يا هجوره… هستناكي.
هاجر ابتسمت ابتسامة صغيرة، ابتسامة متلخبطة بين الشكر والمجاملة، وقالت بهدوء:
– حاضر.
سلمت على أبوها، حضنته مرة كمان بسرعة كأنها بتحاول تخزن الإحساس ده جواها قبل ما تمشي. قلبها كان بيتقبض وهي بتنزل السلم… إحساس غريب ما بين سعادة إنها شافت أبوها، ووجع إنها لسه مش عارفة هتقدر تتأقلم مع حياتها الجديدة ولا لأ.
خطواتها على السلم كانت تقيلة… كل درجة بتنزلها بتحس إنها بتسيب جزء من روحها فوق.
هاجر نزلت السلم بخطوات بطيئة، قلبها متعلق فوق، عينيها لسه شايفة صورة أبوها وهو مبتسم وحاضنها.
قدام العمارة وقفت تستنشق نفس عميق كأنها مش عايزة تسيب ريحة البيت.
طلعت موبايلها من الشنطة، فتحت التاكسي أبلكيشن، لكن قبل ما تلحق تطلب…
لمحت عربية واقفة مش بعيد والازاز بينزل ببطء.
صوت مألوف قال بسخرية خفيفة:
– إيه يا آنسة، مش ناوية تدفعي أجرة المرة دي برضه ولا هنكملها ب بسبوسة؟
هاجر رفعت عينيها بحدة…
– أنت؟! إنت بتعمل إيه هنا؟
راكان ابتسم وهو مسند دراعه ع زجاج العربية:
– بوصلك… ما تقلقيش مش هاخد ٣٠٠ جنيه المرادي.
هاجر عضت شفايفها بضيق، وقفت مترددة… تروح معاه ولا تركب تاكسي؟
#مغرم_مجنون
البارت الرابع
وفي وسط كل التفكير والدوامة اللي كانت غارقة فيها، قطعها صوت حاد وودي في نفس الوقت:
– في حاجة يا بنتي؟ الولد ده بيضايقك؟
رفعت هاجر راسها بسرعة، عيونها متسعة شوية، وحاولت ترد بسرعة قبل ما الموضوع يتطور:
– لا… لا… ده أخويا.
أخذت نفس عميق عشان تهدي نفسها، ورحت تركب العربية بسرعة، كل خطوة فيها كأنها بتحاول تهرب من أي إحساس بالغضب أو الإحراج اللي اجتاحها فجأة.
راكان، وهو سايق العربية مبتسم ابتسامة جانبية فيها سخرية:
– حلوة كلمة "أخويا" دي… متقلهاش تاني بقى.
هاجر التفتت له بعينين مولعة بالغضب،:
– تصدق؟ أنا غلطانة… كان المفروض أسيبهم يعملوا معاك الواجب.
راكان ضحك ابتسامة استفزازية، وبدأ يحرك العربية بخفة، كأن كل كلمة منها كانت لعبته المفضلة.
في وسط الطريق، رفعت هاجر عينيها للزجاج قدامها، وصوتها فيه خفة سخرية مختلطة بفضول:
– إنت عرفت منين إني همشي خلاص؟
راكان، بدون ما يبص ليها،:
– إحساسي.
هاجر ضحكت بسخرية، مع إنها مش قادرة تخفي لمعة استفزاز جواها:
– وأنت كلك أحاسيس، ما شاء الله…
الصمت اللي بعد كده كان مليان تحدي… كل واحد فيهم بيختبر حدود التاني في لعبة غير معلنة من الأعصاب والكلام.
وصلوا الفيلا، وهاجر نزلت من العربية بسرعة، من غير ما تلتفت حتى لراكان اللي كان واقف مبتسم. خطواتها كانت سريعة، كأنها عايزة تهرب من أي شعور ممكن يعكّر مزاجها أو يدوّر على استفزاز جديد.
طلعت على أوضتها، وأول ما قفلت الباب وراها، حسّت بالراحة شوية… البيت فاضي تقريبًا..
بعد دقائق من جلوسها، سمعت صوت الباب بيخبط، قلبها دق بسرعة، وهمست لنفسها:
– ياربي…
فتحت الباب، ولقيته واقف قدامها بكل بساطة، من غير مقدمات:
– أنا جعان.
هاجر رفعت حاجبها بعصبية خفيفة، نبرة صوتها فيها تحدي:
– متجوع… أنا مالي؟
راكان حك راسه بخفة، وابتسم ، كأنه بيحاول يخفف التوتر:
– لندا تعبانه شوية… ماجتش النهارده، ومفيش أكل
بصت له هاجر بعينيها مولعة بالغضب، وخطواتها كانت ثابتة وهي بتتراجع لحد ما قفلت الباب في وشه بسرعة.
ومن ورا الباب، بصوت واطي بس مليان حدة، قالت:
– أنا مش الخدامة اللي بابي جبهالك!
مرّت ساعة، والفيلا كلها اتقلبت على ريحة حريق خانقة. هاجر قفزت من مكانها ونزلت بسرعة تشوف إيه الكارثة.
لما وصلت المطبخ، اتجمدت مكانها من الصدمة… راكان واقف قدام البوتاجاز، عاري الصدر، محاصر بالدخان اللي طالع من الحلة كأنه بركان، وهو بيكح ومسك معلقة في إيده كأنه بيخوض حرب.
صرخت بذهول:
– يخرب بيتك! إيه اللي انت عملته دا؟
راكان، وهو بيحاول يتماسك وسط الكحة:
– بسوي الأكل!
هاجر بصوت عالي وهي بتتحرك بسرعة:
– بتسوي الأكل؟ دا انت حرقته حرق!
اتقدمت بسرعة ناحية البوتاجاز، قفلته بإيد مرتعشة من الغضب، وبدأت تفتح الشفاط والشبابيك عشان الدخان يتسرّب.
بعد ما خلصت تهوية المطبخ، التفتت له هاجر ووشها متعصب، وقالت بحدة:
– مدام مبتعرفش تعمل أكل… بتهبّب إيه؟
راكان، وهو رافع حاجبه وبيلعب دور البريء:
– والله منا قولتلك تعمليلي اكل وموافقتيش
هاجر اتجمدت ثواني من رده، وبصتله بنظرة نار، قبل ما تحوّل عينيها على الحوض. صفوف المواعين كانت واقفة كأنها صف عساكر مستعدين للمعركة.
قالت بسخرية ممزوجة باللوم:
– وإيه كمية المواعين دي؟ ذنبها إيه لندا لما تيجي وهي تعبانة تلاقي وراها صفوف بالشكل ده؟
هاجر وقفت قدام الحوض، بتبص على المواعين اللي ملوش أول من آخر، وزفرت بضيق. مسحت عرقها من على جبينها وقالت بنبرة استسلام عصبي:
– يا رب… هو أنا ناقصة!
وبدأت تلم المواعين وترصها عشان تغسلهم. راكان فضل واقف متكعبل في المطبخ، إيديه في جيوبه وابتسامته المستفزة لسه معلقة على وشه.
هاجر التفتت له بعصبية:
– مش هتقف تتفرج! ساعدني بدل ما واقف زي التمثال واستر نفسك بحاجه.
ضحك بخفة، :
– حاضر يا ست هاجر
راح لبس تيشرت وقال:… آدي أنا جيت أساعد.
دخل جنبها، بدأ يناولها المواعين ويحاول يغسل معاها، بس حركته كانت بطيئة وعشوائية لدرجة إنها فضلت تبص له كل شوية بضيق.
هاجر:
– إنت هتغرق المطبخ كله يا راكان!
رد وهو بيضحك:
– أول مره تنطقي اسمي
بصتله بضيق وقالت: واخر مره إن شاء الله
المية كانت بتترش من الحوض على الرخامة، وهاجر مشغولة بتغسل الأطباق بسرعة، بينما راكان واقف جنبها يناولها ويغسل معاها بطريقته الفوضوية.
هاجر كانت لسه بتغسل آخر طبق، والمطبخ هادي إلا من صوت الميه وهي بتنزل ع الحوض.
مسحت إيديها بفوطة صغيرة، وبدأت ترص الأطباق في الدرفّة.
لكن لما وصلت للدور التاني، حاولت تمد إيديها بس ما طالتش.
اتنهّدت وقالت بنغمة خفيفة:
– يا ربي الناس دي ليه بتحط الدرف كده فوق السحاب؟
كانت بتحاول تاني، وفجأة حست بخطوات وراها…
صوت أنفاسه قرّب، ولما التفتت كان راكان واقف قريب جدًا، قريب لدرجة إنها حسّت بحرارته.
قال بهدوء وهو بيرفع إيده:
– سيبيها أنا هحطها.
مد إيده فوقها، وصوت احتكاك ضِهره بخصلات شعرها خلاها تتجمد في مكانها.
اتسمرت عينيها على حركة إيده وهو بيرص الأطباق، قلبها بدأ يدق بشكل مش مفهوم.
قالت وهي بتحاول تبعد نفسها بتوتر:
– كنت هحطها خلاص يعني… مش محتاجه مساعده.
ابتسم راكان بخفة، وبصّ لها من غير كلام،
فجأة الباب اتفتح على آخره، وصوت الكعب العالي بتاع نيهال ملأ المكان.
هاجر اتجمدت مكانها، الطبق اللي كانت ماسكاه اهتز ف إيدها، وحرارة الموقف لسه معلقة ف الهوا.
نيهال وقفت عند باب المطبخ، نظرتها رايحه جاية ما بين وش راكان ووش هاجر، وقالت بنبرة فيها استغراب:
– بتعملوا إيه يا ولاد؟
راكان لف ناحيتها وهو لسه مبتسم، بيحاول يخفف التوتر اللي مسيطر على المكان:
– كنا بنحضر حاجه سريعة كده ناكلها، الجوع غلبنا.
هاجر نزلت عينيها بسرعه وقالت بخفوت:
– أيوه، كنت بساعده شوية بس.
نيهال رفعت حواجبها وقالت وهي بتحاول تمسك ضحكتها:
– واضح إن المساعده كانت حلوه أوي.
راكان ضحك بخفه وقال:
– ما هو لندا مش موجوده، لازم حد ينقذنا من الجوع.
اتنهدت نيهال وهي بتسيب شنطتها على الترابيزة وقالت:
– ماشي يا سيدي، بس متحرقوش المطبخ تاني، ريحته واصله للكومبوند كله
ضحك راكان وقال وهو بيبص لهاجر بنظرة فيها لمحة خفية من الحنية:
– حاضر، المره الجايه هنطبخ برا.
هاجر رفعت عينيها له بسرعه، وابتسامة خفيفة ظهرت على وشها غصب عنها…
بس بسرعة رجعت وشها ناحيه نيهال وقالت:
– أنا طالعة أوضتي، تصبحوا على خير.
وبمجرد ما مشيت، نيهال بصت لراكان بنظرة فيها سؤال من غير كلام:
– أنت وهي… في حاجه؟
راكان اتنفس ببطء وقال بابتسامة غامضه:
– لأ يا طنط، بس يمكن… الأيام تبين.
صحيت هاجر تاني يوم على صوت إشعارات تليفونها. مدت إيدها بكسل، وفتحت الشاشة وهي لسه نص نايمة. عينها وقعت على رسالة جاية من إيميل رسمي، فتحتها بسرعة…
"إحنا اطلعنا على الـ CV بتاعك وممكن تيجي تقدمي الإنترفيو النهارده."
بصت هاجر في الفون جامد، وعينيها بتلمع من غير ما تاخد بالها. قلبها كان بيرقص من الفرح، كأن الرسالة دي نفخت روح جديدة فيها.
ابتسمت لوحدها، ابتسامة مليانة أمل، وبصوت واطي قالت:
– يا رب… تكون بداية حلوة.
بعد ما شافت الرسالة، نزلت هاجر بخطوات سريعة للصالون، لقت نيهال قاعدة بتجهز نفسها عشان تنزل الشغل، مكياجها مرتب ووشها هادي، عيونها مش بتدي أي أثر للتفاعل مع هاجر.
قربت هاجر منها شويه، وصوتها فيه حماس وارتباك مختلط:
– أنا… اتقبلت مبدئيًا في شركة كبيرة أوي.
نيهال رفعت وشها عليها من غير ما تبص كويس، بصوتها البارد اللي مش بيبين أي شعور:
– كويس.
هاجر وقفت لحظة، حسّت بالغصة… كانت متوقعة نوع من الفرح أو على الأقل كلمة تشجيع، لكن استجابة مامتها كانت شبه التجاهل. قلبها اتقل شوية، وحست إنها لسه محتاجة تثبت لنفسها إنها قادرة من غير ما تعتمد على حد.
بعد شوية، راكان كان قاعد في مكتبه بالشركة، ووشه مكشر شوية من ضغط الشغل.
قال لعبدالرحمن وهو بيحرك أوراق على المكتب:
– بقولك ي بوده
عبدالرحمن :
– اهه اهو لما بتقولي بوده بعرف انك عايز مصلحه قول عايز اي
راكان ضحك بخفة، وقال بحمحمه واضحة:
– هروح اجيب روي من المستشفى وحشني اوي مش هستنى لغايه م اخلص شغل.
خد جاكيته من على الكرسي وبادل عبد الرحمن، وهو بيجهز نفسه للخروج.
وبصوت متحمس قال: سلام ي معلم
عبدالرحمن اتكأ على مكتبه شوية، وابتسامة ماكرة على وشه وقال:
– ماشي يا عم… أفضل دبسني كده في الشغل دايمًا.
ضحك لنفسه، وهو بيبص على الباب اللي قفل ورا راكان..
أما عند هاجر، كانت الدنيا ليها شكل تاني النهارده — صباح كله حماس وترقّب.
القلق كان بيتمشى جوه قلبها بس معاها فرحه خفيفه كده،
وقفت قدام المراية، بتظبط شعرها المرفوع بتوكه رقيقه وبعدين لبست التوب الأبيض اللي مديها ملامح ناعمة وبريئة، وفوقه بدلة سودة أنيقة، بسيطة بس فيها هيبتها.
بصّت لنفسها لحظة، وابتسمت بخفة وهي بتقول لنفسها:
"انتي تقدري يا هاجر، دي فرصتك."
مسكت شنطتها السودة، وخدت نفس عميق كأنها بتلم شجاعتها كلها ف نفس واحد، ونزلت السلالم بخطوات سريعة، قلبها بيدق على نغمة أمل جديدة.
عيونها كانت فيها لمعة مختلفة — مش بس لمعة حلم، لأ… لمعة بداية.
راكان كان سايق عربيته بهدوء، و"روي" قاعد جنبه في الكرسي الأمامي، مطلع لسانه كأنه طفل مبسوط.
ضحك راكان وقال له:
– إيه يا عم روي، شكلك متحمس أكتر مني للشغل!
دخل بيه الجراج بتاع الشركة، وكل الناس واقفة مستغربة الكلب اللي نازل جنبه،
عبدالرحمن شافه من بعيد وقال وهو بيضحك:
– هو إنت جايب الكلب معاك الشغل كمان؟
راكان وهو بيربط الطوق بتاع روي:
– أصل لو سبتُه في البيت هيكسر الدنيا، فقلت أجيبه يتعلم الإدارة معايا.
ضحكوا هما الاتنين، ومشي راكان ناحيه مكتبه وهو بيطبطب على روي.
في نفس التوقيت،
كانت هاجر واقفة قدام الشركة اللي المفروض تعمل فيها الإنترفيو،
إيديها متلجه من التوتر وقلبها بيدق بسرعة كأنها بتسمع صوته جواها.
بصّت في المراية الصغيرة وعدّلت شعرها وقالت لنفسها بصوت واطي:
– اهدي يا هاجر، انتي قدّها.
دخلت الشركة بخطوات مترددة،
السكرتيرة قامت وسألتها بابتسامة لطيفة:
– عندك ميعاد إنترفيو يا فندم؟
هاجر: أيوه،.
السكرتيرة فتحت الورق وقالت:
– تمام، اتفضلي استني شوية في الريسبشن، المدير اللي هيعملك المقابلة داخل كمان لحظات.
هاجر قعدت تحاول تهدي نفسها، ومكنتش تعرف إن المدير ده مش حد غريب عنها...
هو عبدالرحمن، صاحب راكان!
الريسبشن كان هادي، وصوت عقارب الساعة هو اللي مالي المكان.
هاجر قاعدة على الكرسي، بتعدل في كم الجاكيت بتاعها، وقلبها بيدق بخفة من التوتر والحماس.
السكرتيرة رفعت راسها وقالت بابتسامة هادية:
– اتفضلي يا آنسة هاجر، الأستاذ عبدالرحمن مستنيك.
هاجر وقفت، عدّلت شعرها، وخدت نفس عميق قبل ما تفتح الباب وتدخل المكتب الكبير.
جوا، عبدالرحمن في اواخر العشرينات
لابس بدلة كحلي ونظرة جادة على وشه،
بيمسك شوية أوراق وبيراجعها باهتمام.
رفع عينه أول ما سمع الباب، ابتسم بخفة وقال:
– آنسة هاجر، أهلاً وسهلاً… اتفضلي اقعدي.
هاجر بابتسامة متوترة:
– أهلًا بحضرتك.
قعدت، وإيديها متشابكة ف بعض بتخفي توترها.
عبدالرحمن بص ف الـ CV قدامه وقال:
– ما شاء الله، دارسة برا في المنحة دي… شكل عندك طموح كبير.
هاجر:
– بحاول أطور من نفسي على قد ما أقدر.
ابتسم وقال:
– تمام، هو ده اللي إحنا بندور عليه هنا.
قعد يسألها شوية أسئلة مهنية، وهي بتجاوب بثقة رغم التوتر،
كل ما تجاوب كان بيبصلها بنظرة إعجاب خفيفة كأنها فاجئته بشخصيتها.
ولما خلص، سكت لحظة وقال:
– تمام يا آنسة هاجر، أنا مبسوط من المقابلة دي.
هنراجع كل حاجة وهنبعتلك خلال يومين بالنتيجة.
هاجر قامت وقالت وهي بتحاول تبين هدوءها:
– متشكرة جدًا يا فندم، اتشرفت بمقابلتك.
خرجت من المكتب، وابتسامتها باهتة بس عينيها مليانة أمل.
كان عندها إحساس غريب إنها اتقبلت،
كانت هاجر ماشية ناحية باب الخروج، وكل خطوة فيها توتر بعد الإنترفيو، وفجأة… وقعت عينها على راكان، واقف قدامها، ماسك الكلب في إيده.
اتجمدت في مكانها، وبصوت مليان صدمة قالت:
– إنت! إيه اللي جابك هنا؟
راكان ابتسم بابتسامة جانبية، ورفع كتفه شوية بخفة:
– مش هقول غير لما تقولي إنتي الأول.
هاجر رفعت حاجبها، وقالت بنبرة مختلطة بين الشك والاستغراب:
– أنا كنت بعمل إنترفيو.
الصمت سيطر على المكان للحظة… راكان اتصدم، وكأن صوته اختفى شويه، وقال بتوتر واضح:
– و… وانا كنت جاي أقابل واحد صاحبي بيشتغل هنا.
هاجر بصتله بشك، وبعدين عينيها وقعت على الكلب اللي واقف جنب رجليه.
ابتسمت بخفة وقالت:
– مكنتش أعرف إنك بتحب الكلاب.
مدت إيديها تحسسه، ولما لمست الطوق لمحت اسمه محفور: “روي”.
الصدمة اتجسدت على وشها تاني، وصرخت شوية:
– روي؟ دا الكلب بتاعي!
هاجر كانت واقفة مكانها، مش مصدقة. الكلب بدأ يبصّلها، عينينه بقت تلمع كأنه بيحاول يفتكر.
نادت عليه بصوت مهزوز شوية:
– روي؟
الكلب نط فجأة من جنب راكان، وجرى عليها بحماس، ذيله بيتهز بعنف، وصوته بيرجع للزمن اللي فات.
هاجر نزلت على ركبها وهي بتضحك ودموعها بتلمع في عنيها:
– يا رويي… إزيك يا حبيبي؟
الكلب بقى يلحس إيديها ووشها كأنه بيعاتبها على الغياب،.
هاجر قالتها بصدمه، صوتها اتكسر وهي بتحاول تستوعب الكلمه:
– بس إزاي ماما قالتلي إنه مات؟
الوجع في نبرتها كان واضح، زي حد لسه واخد خبطه ف قلبه.
راكان وقف قدامها مرتبك، حاول يرد بهدوء كأنه بيحاول يلطف وقع الحقيقة:
– هي قالتلك كده عشان متبقيش قلقانه عليه، وما يشغلكيش عن المنحة... كان تعبان أوي، وكان مصيره الموت ساعتها.
هاجر ضحكت ضحكة باهتة مالهاش روح، وقالت بصوت بيرتعش وجع:
– دا يخليها تكدب عليا بس مش جديده عليها هي ديما بتكدب وبتخبي عني كأني مش بنتها.
دموعها كانت بتلمع ف عينيها، مش قادرة تصدّق إن أمها اختارت الكدب بدل الصراحة.
حست بقلبها بيتقبض، مش علشان الكلب بس، لكن علشان الإحساس بالخيانة...
كانت كل كلمة خارجة منها فيها وجع سنين، كأنها مش بس بتسأل عن كلب… كانت بتسأل عن وجع أعمق، عن ليه اتسابِت، وليه اتخد منها أي حاجه بتحبها من غير ما تتكلم.
راكان تنهد، وعيونه فيها لمحة حزن:
– كانت شايفه إنها بتحميك، هاجر… وقتها كان حاله صعب، والدكاتره قالوا مفيش أمل، فقررت متقولكيش عشان متتعذبيش معاه.
هاجر هزت راسها بخفه، دمعة نزلت من عينها وقالت بصوت واطي:
– بس كنت أستحمل… كنت هستنى، كنت حتى هطمن عليه لو بس عارفه إنه عايش.
راكان قرب منها شويه وقال بهدوء:
– يمكن هو رجع دلوقتي عشان يقولك إنه استناك، وإنه لسه فاكر ريحتك.
بصت له بصمت، وبإيد مرتعشه بدأت تمسح دموعها، وراكان واقف قدامها، سايب المسافة بينهم صغيرة جدًا…
و الكلب قاعد بينهم....
#مغرم_مجنون
البارت الخامس
راكان قال وهو بيحاول يخفف التوتر بنغمه فيها هزار:
– طب إيه؟ تعالي نروح نشرب حاجه كده، واروّحك ف طريقي.
هاجر رفعت عينيها ليه بنظره متحديه، وقالت ببرود يخفي وراه وجع وتعب:
– مش محتاجه منك مساعده.
ابتسم راكان بنص سخريه ونص هدوء وقال:
– هو إنتي لازم تعترضي؟ مفيش عندك تفاهم خالص.
فضلت ساكته لحظه، بتبص بعيد كأنها بتحاول توازن بين عقلها اللي بيقولها “ابعدي”، وقلبها اللي لأول مره من زمان حاسس إن في حد بيحاول يقرب منها.
قاطع تفكيرها صوته الهادئ وهو بيحاول يلين الكلام:
– هعزمك، ومش هخليكي تدفعي ولا مليم.
بصتله بخفه، وابتسامه صغيره غلبت على ملامحها وهي بتقول:
– ماشي… أهو حاجه تكفرلك عن استفزازك ليا ورخامتك.
ضحك راكان بخفه وهو بيبص لها:
– اتفقنا يا ستي، بس خدي بالك أنا رخم بطبعي.
هاجر رمقته بنظره جانبيه وهي بتتسحب تمشي جنبه:
– ما كنتش محتاجه أكتشف لوحدي، كنت عارفه من أول دقيقه.
ابتسم بخبث وهو بيفتح لها باب العربيه:
– يبقى انتي من أول دقيقه كنتي مركزه … مركزه فيَّ أنا.
هاجر رفعت حاجبها باستغراب وقالت وهي بتركب:
– دا خيالك الواسع اللي بيخليك تقول كده، أنا كنت مركزه ف مصيبتي اللي نزلتلي لما قابلتك.
ضحك بصوت خافت، صوت الضحكه كان فيه حاجه دافيه غصب عنها خلتها تبصله لحظه صغيره، وبعدها حولت وشها للناحية التانيه عشان تخبي ارتباكها.
وهو، كعادته، لمح التوتر الخفيف اللي في ملامحها، بس اكتفى بنظره جانبيه مليانه غموض وقال بنبره شبه هامسه:
– شكلك هتبقي مشواري المفضل من النهارده.
راحوا على كافيه هادي على ناصية شارع مزدحم بالحياة.
قعدوا على ترابيزة صغيرة جنب الإزاز، . النادل جاب الطلبات، وساد بينهم سكون مريح كأنهم بيستمتعوا بصوت الكوبايات وهي بتترص على الطاولة.
راكان، بعينه اللي فيها فضول طفولي، قال وهو بيقلب المعلقة ف الكوباية:
– مش ناوية تقوليلي اتخرجتي من كلية إيه؟
هاجر رفعت عينيها ناحيته وقالت:
– كلية ألسن.
ابتسم راكان بإعجاب واضح:
– حلو، ليكي مستقبل كويس أوي.
اتنهدت هاجر وهي بتقلب الكوباية بين إيديها وقالت:
– كنت في الأول حاسة إني مش هتقبل في أي شركة… بس النهارده عملت إنترفيو في شركة كبيرة، وشكلي كده هتقبل.
ضحكته كانت بسيطة لكنها طمنت قلبها:
– إن شاء الله هتتقبلي،.... هم هيلاقوا واحدة شاطرة زيك فين؟
ابتسمت بخجل على كلامه، بس ملامحها ما قدرتش تكمّل الابتسامة.
افتكرت لما قالت لمامتها بحماس، ومامتها اكتفت بهزة ب كلمه "كويس" وهي مش مهتمه. نفس الوجع القديم رجع، بسيط بس مؤلم، زي شوكة صغيرة ف القلب.
راكان لاحظ التغير، بصّ ليها وقال بنبرة فيها قلق خفيف:
– مالِك؟ حسيتك اتضايقتي فجأة.
هاجر اختفت ابتسامتها وقالت بصوت واطي فيه وجع:
– افتكرت حاجة كده… ضايقتني.
راكان فضل ساكت ثواني، وبعدين قال بهدوء:
– نصيحة مني، لما تكوني مبسوطة، متفكريش في أي حاجة تعكنن عليكي فرحتك. استمتعي بيها، وبعد كده كل حاجة تهون.
اتسعت ابتسامتها المرّة دي شوية أكتر، وقالت بخفة دم بسيطة وهي بتحاول ترجّع الجو الحلو:
– عندك حق… تنفع ثيرابيست والله.
ضحك وقال بثقة فيها غرور بسيط:
– مش من اهتماماتي بصراحة.
ضحكت هي كمان، والضحكة كسرت كل ثِقل اللحظة.
اتبدّل الجو، وبقى خفيف زي الهوا اللي عدى بينهم في ساعتها.
لكن اللحظة الساكنة دي اتقطعت فجأة بصوت شخص بيقرب من الترابيزة:
– هاجر؟
رفعت هاجر راسها بسرعة، قلبها دقّ بسرعة:
– مصطفى؟ ا اي الصدفه دي؟
ابتسم هو بعفوية، لكن عيونه كانت فيها فضول:
– أنا مع خطيبتي هنا… إنتِ بتعملي إيه؟
بص مصطفى ناحية راكان اللي كان واقف جمبها، حاول يستوعب المشهد:
– دا خطيبك ولا إيه؟
راكان حاوط خصرها بإيده بثقة وابتسامة خفيفة:
– قريب إن شاء الله.
هاجر بصت له بصدمة، مش عارفة ترد، وكل كلمة منه كانت تقطع قلبها.
مصطفى صدمته كانت واضحة، وحاول يتحكم في صوته وهو بيوجلها الكلام:
– إمتى…؟
قبل ما هاجر ترد، راكان تدخل بهدوء لكنه بحزم:
– بقالنا سنة مثلاً، صح يا حبيبتي؟
هاجر كانت لسه صدمتها واضحة على وشها، مش عارفة تتحرك أو تكمل الكلام.
وفجأة، ظهرت من وراهم بنت وشها هادي، نسمه. مسكت إيده برفق وقالت بصوت رقيق:
– أنا نسمه، خطيبة مصطفى.
مدت إيديها تسلم على هاجر. هاجر حست بشعور غريب، امتزج بين الحيرة والفضول، سلمت عليها وقالت ببطء:
– اتشرفت بيكي.
نسمه ابتسمت وقالت برقة:
– طيب نسيبكم بقى.
ومشيت من قدامهم، تاركة جو مشحون بالتوتر.
راكان، اللي كان لسه بيحاول يسيطر على غضبه، بصّ لها بنظرة حادة وصوته طالع متحشرج من العصبية:
– مين دا؟
هاجر اتفاجئت بنبرته، قلبها دقّ أسرع وقالت بعصبية وهي بتكتم ارتباكها:
– إنت إيه اللي قولته دا يا راكان؟!
هو شدّ نفسه وقال بنبرة أعلى، الغيرة باينة في عينه:
– هاجر، مين دا بقولك؟
هاجر انفجرت فيه:
– ملكش دعوة! إنت مالك أصلاً؟! ويلا بقى عشان أنا عايزة أروح!
وقفت بسرعة، سابت الترابيزة ومشيت بخطوات سريعة. كانت بتحاول تستخبى من ملامح وشها اللي مليانة قهر وارتباك وغضب في نفس الوقت.
وصلت للعربية، فتحت الباب الخلفي وركبت جمب روي، الكلب اللي كان قاعد ساكت، بيبصلها بعينيه البريئة كأنه حاسس باللي جواها. مدت إيدها على راسه، تمسح عليه وهي بتحاول تهدي نفسها
راكان جه بعدها بثواني، ركب العربية في صمت. على غير عادته، مافيش ولا كلمة.
وشه كان جامد، عينه على الطريق، بس أفكاره كلها عندها.
الجو بينهم كان تقيل، كأن الهوا نفسه واقف.
كل واحد فيهم غرقان في صمته…
رجعوا البيت في صمت تقيل، كل واحد فيهم دخل أوضته من غير ولا كلمة.
البيت نفسه كان كأنه شايف اللي بينهم، ساكت ومخنوق.
هاجر أول ما دخلت، رمت نفسها على السرير، ودماغها بدأت تلف في دوامة من الأفكار.
اللي حصل في الكافيه كان زي كابوس سريع…
كل حاجة جت فجأة، وردّ فعلها كان عنيف أكتر من اللازم.
هي عارفة إنها دايمًا بتصده، وبتتعامل معاه بحدّة، بس… تعمل إيه؟
كل ما يقرب منها، بتحس بخوف غريب، كأنها مش قادرة تسمح لحد يدخل جواها تاني.
قلبها كان بيوجعها من الكلام اللي قالته له، ومن نظرته اللي ما نسيتهاش وهي بتسيبه واقف.
وسط شرودها، موبايلها رنّ.
بصّت على الشاشة… رقم متسجل باسم Therapist.
كانت هتقفل في الأول، بس سكتت لحظة، وبعدين ردّت بهدوء.
– ألو؟
جالها صوت دكتورتها الهادي اللي دايمًا بيطمنها:
– إزيك يا هاجر؟
– الحمد لله يا دكتورة، أخبار حضرتك إيه؟
– كله تمام، بس أنا عرفت إنك رجعتي من السفر بقالك فترة.
لازم تيجيلي العيادة يا هاجر، أنا قلتلك كذا مرة إن وضعك بيسوء، وبقالك كذا جلسة مش بتحضريها أونلاين.
تعالي عشان أكتبلك على أدوية جديدة، ونتكلم شويه.
هاجر أغلقت عينيها وهي بتتنفس ببطء وقالت بصوت مبحوح:
– حاضر… أنا كمان محتاجة أتكلم مع حضرتك أوي.
سكتت لحظة طويلة، وبعدين همست، والدموع بدأت تملى عينيها:
– هو أنا… لو جرحت حد بكلام… أعمل إيه عشان أصالحه؟
ردت رُقيّة بصوتها الهادئ اللي فيه دفء الأم:
– الأول لازم تعترفي لنفسك إنك غلطانة.
تانيًا… تتأسفي للشخص ده بصدق، ثالثا تحاولي تعملي حاجات هو بيحبها.
بس لو هو ما قبلش أسفك… ف ده مش ذنبك يا هاجر.
كلمة "مش ذنبك" خبطت جواها بقوة.
حست إنها كانت بتحاسب نفسها على كل حاجة، حتى لما مش بتكون غلطانة.
غمضت عينيها وسابِت دمعة تنزل بهدوء…
قفلت معاها وهي لسه تايهة...
الهدوء في الأوضة كان خانق، وصوت دقات قلبها العالي هو اللي مالي المكان.
صورت مصطفى وهي معاه... هي وهو وضحكتهم ساعتها... كانت بتلف ف دماغها زي شريط بيوجع.
قلبها وجعها، حرفيًا حسّت بالوجع،
إزاي بعد كل الحب دا يسيبها؟
إزاي بعد الذكريات دي كلها يبقى عادي كده معاها؟ إزاي يخبط بعديها؟
كل حاجة جواها كانت بتتكسر بهدوء،
حزن تقيل بيملأ صدرها، بيخنقها.
وفجأة...
نزلت دمعة تاني.
بس أول ما وصلت لخدّها، حسّت بسخونة غريبة.
مدّت إيدها تمسحها...
ولقت لونها أحمر.!!
#مغرم_مجنون
البارت السادس
قعدت تبص في إيدها، والدم لسه ناشف على أطراف صباعها، لكن قلبها كان مولع أكتر من أي وقت فات.
إحساس غريب... بين الصدمة والخوف والحزن.
ليه دلوقتي؟! بعد كل السنين اللي حاولت تنسى وتستحمل، ليه الدموع دي لازم ترجع دم؟
قلبها كان بينفطر، مش بس من وجع مصطفى والذكريات،
لكن كمان من إحساسها بالعجز، إنها مش قادرة تتحكم حتى في جسمها.
الدمعة التانية نزلت، ومعاها كأن كل وجعها القديم رجع ينبض في صدرها.
زعلت، زعلت من نفسها، من جسمها، من الحياة، من كل حاجة.
وكأنها اكتشفت إن بعض الحزن بيستمر حتى لو حاولت تهرب.
راحت هاجر لحمام غرفتها، غسلت وشها من آثار الدم، وحسّت كأنها بتمسح معاها كمان أثر كل التوتر والغضب اللي جوّاها.
قلبها كان مليان خوف وترقب، بس قررت تاخد بنصيحة الدكتورة، وتحاول تصالح راكان، حتى لو خطوة صغيرة.
نزلت من السلم بخطوات هادية، لكن الدنيا كانت ساكتة جدًا حوالينها.
مامتها في الشغل، وجوز مامتها برضه مشغول، والبيت كله غارق في صمت.
اتجهت نحو أوضة راكان، كل خطوة فيها إحساس مختلط بين القلق والخوف والأمل.
فتحت الباب بهدوء… ولقته نايم على السرير، وشه مرتاح، وأنفاسه ثابتة.
هدوءه كان شبه سكينه تقطع خوفها، لكنها حسّت كده لأول مرة… يمكن دلوقتي يكون وقتها تواجه نفسها وتواجهه.
قربت هاجر منه على السرير، قلبها بيدق بسُرعة.
ملست على شعره بهدوء،و بحذر شديد، عشان ما يصحّاش من النوم.
عيونها بدأت تدمع، والدموع سايبة أثرها على خدها، وهمست بصوت ضعيف مليان ندم:
– أنا… آسفة… آسفة على كلامي معاك اللي دايمًا دبش… آسفة على قلة ذوقي معاك… آسفة إني دايمًا بعاملك وحش…
(أخذت نفس عميق، ودموعها بتنزل أكتر)
– أنا بس… لما بتضغط أو بخاف، بعمل حاجات مش عارفة عواقبها… عارف؟ انا جبانة أوي… كنت جاية أعتذرلك… بس قبل ما أدخل الأوضة بالضبط، قولت هاجي أنكشك وخلاص… أنا آسفة لو جرحتك بكلامي أول مره اتقابلنا فيها.
قامت بسرعة، وهي حاسة بارتباكها كلّه بيطلع في خطواتها، ناوية تمشي بعيد عن السرير… عن اللحظة… عن كل حاجة.
وفجأة، حسّت بإيد بتمسكها!
شدّت عليها برفق، بس في نفس الوقت بحزم، وبصّ لها بعينيه اللي فيها مزيج من الغضب والحيرة، وصوته واطي لكنه حقيقي:
– ما تمشيش…
وكمل بضحكه: لسه معرفتش مين مصطفى.
قفّت، قلبها بقى متلخبط من التوتر والخوف والارتباك، مش قادرة تقول كلمة.
البسمة ارتسمت على وشها، كانت بسيطة بس طالعة من القلب، كأنها أول مرة تبتسم بارتياح من فترة طويلة.
بصّت له وقالت بصوت خفيف فيه شوية دعابة وشوية خجل:
– عندك وقت كفاية تسمع الحكاية؟
راكان، وهو لسه ماسك إيدها، ابتسم ابتسامة صغيرة فيها مزيج من الهدوء والحنين، وقال بنبرة هادية:
– معاكي للصبح.
ضحكت بخفة، دموعها لسه سايبة أثرها، وقالت:
– حيث كده بقى… كوبايتين شاي ونرغي للصبح.
ضحك هو التاني، والجو اللي كان متوتر من شوية بقى دافي ومليان راحة.
بعد شوية، كانوا قاعدين في المطبخ، على الكاونتر بتاع المطبخ الأمريكي.
الإضاءة كانت دافية، وكوبايتين الشاي قدامهم، البخار طالع منهم بهدوء كأنه بيحكي قصة هو كمان.
هاجر أخدت نفس طويل، وتنهيدة خرجت معاها كأنها بتطلع تعب سنين:
– بص يا سيدي… مصطفى دا كان خطيبي.
اتخطبت له قبل ما أسافر المنحة.
أنا… عصبية أوي.
بتعصب بسرعة وبتكلم بطريقة ممكن توجع اللي قدامي من غير ما أقصد.
هو الصراحة… كان بيستحملني.
سكتت لحظة، ومسحت دمعة خفيفة خانتها وهي نازلة على خدها:
– بس كل واحد ليه طاقته… وهو طاقته خلصت.
تعب، تعب مني ومن عصبيتي…
بدأ يقلّ اهتمامه، وبدأ يكلّمني قليل، ويبعد…
وأنا كنت… بشحت منه الاهتمام، بحاول أرجّعه بالكلمة، بالنظرة، بأي طريقة.
راكان فضل ساكت، عينه عليها، بيشوف الوجع اللي بتحكيه،… ما حاولش يقاطع، ولا يواسي.
هو بس… كان بيسمع.
تنهدت تنهيدة وجع، فيها استسلام أكتر من حزن، وقالت:
– لغاية ما في يوم… واجهته.
قولتله لو مش قادر تكمل، قولي، بس متسيبنيش كده…
وفجأة لقيته بيقولي: "أنا آسف… أنا مش هقدر أكمل."
نظرت قدامها في صمت، والإيد اللي كانت ماسكة الكوباية بترتعش خفيف.
كملت هاجر بصوت واطي، فيه بقايا وجع مالوش ملامح:
– مكنتش متخيلة إنه ممكن يقولها…
بعد العِشرة اللي بينا، وكل حاجة حلوة عشتها معاه،
متخيلتش إننا نبعد كده، فجأة، من غير حتى ما نحاول.
عيونها لمعت وهي بتبص في الفراغ، كأنها شايفة الذكريات قدامها على شاشة المطبخ،
– كنت فاكرة إننا هنعدّي أي حاجة…
بس الظاهر إن الحب لوحده مش كفاية.
راكان حس بخنقة في صدره، مش عارف يقول إيه.
نظرة واحدة ليها كانت كفيلة توصله وجعها كله.
مد إيده ناحية كوباية الشاي، بس ما شربش.
كل اللي عمله إنه قال بهدوء:
– يمكن ربنا كان شايف إن وجع البُعد أهون من وجع الاستمرار.
هاجر وهي بتبص ف كوباية الشاي اللي قدامها، صوتها واطي جدًا:
– جايز.
سكتت ثواني، والهدوء بقى تقيل ف المطبخ لدرجة إن صوت المعلقة وهي بتخبط في الكوباية كان باين.
راكان بصّ لها بتردد، كأنه مش عايز يسأل بس السؤال خرج غصب عنه:
– لسه بتحبيه؟
هاجر خدت نفس طويل، وبصّت ف الأرض شوية قبل ما ترد:
– مش بحبه... ومش بكرهه.
كأنها كانت بتختار كل كلمة بعناية، كأنها بتحاول تفهم نفسها وهي بتتكلم.
– هو بقى بالنسبالي حاجة كانت... مش موجودة دلوقتي، بس سايبه أثر.
عارف لما وجع يخفّ بس يفضل مكانه ف القلب؟ هو كده بالظبط.
راكان بصّ لها، وهو حاسس إن الكلام ده مش عن "مصطفى" بس،
ده عن كل حاجة وجعتها وسكتت.
ابتسم بخفة وقال بهدوء:
– يمكن الأثر ده هو اللي بيعلمنا نحب صح بعد كده.
هاجر بسرحان: ممكن
بعد ما خلصت قعدتها مع راكان، اليوم عدى هادي… من غير أي أحداث جديدة، بس جواها كان في دوشة مش ساكتة، أفكار رايحة جاية ومش عايزة تهدى.
تاني يوم، صحيت على صوت المنبّه، جواها إحساس إنها محتاجة تبدأ من أول وجديد، يمكن الجلسة مع الدكتورة تساعدها تشوف نفسها بوضوح.
قامت، لبست لبس بسيط، شعرها سيبته على طبيعته، خدت شنطتها ونزلت، لكن قبل ما تطلع من باب الأوضة، موبايلها رن.
بصت ع الشاشة… “بابا”.
قلبها اتقبض لحظة، يمكن لأنها كانت محتاجة حضنه أكتر من أي وقت.
ردّت وهي بتحاول تخلي صوتها طبيعي:
– ألو يا بابا.
صوته جه دافي :
– إزيك يا هاجر، عامله إيه يا بنتي؟ طمنيني عليك.
ابتسمت بخفة، بس ابتسامتها ما وصلتوش، وقالت:
– الحمد لله يا بابا، أنا كويسه.
سكتت ثواني، وبعدين خرج السؤال اللي كان واقف في حلقها من يوم ما عرفت:
– حضرتك كنت تعرف إن ماما اتجوزت؟
الصمت اللي جه بعدها وجعها أكتر من أي إجابة.
عرفت من سكوته… عرفت إنه كان عارف.
حست بسكين بيدخل في قلبها ببطء، وقالت بصوت مهزوز:
– ليه؟ ليه يا بابا؟ ليه تخبي عني حاجه زي دي؟
صوته جه مكسور، فيه ندم وحنين وكسرة راجل اتعب من الدنيا:
– يعلم ربنا يا حبيبتي إني مكنش هدفي اني اخبي عليكي… أنا قولت ما ادخلش بينك وبينها. هي لو كانت عايزه تقولك، كانت قالت.
هاجر قعدت على أول كرسي قابلها، الموبايل في إيدها بس إيديها بتترعش.
الدموع كانت بتتجمع ف عينيها بس بتحاول تمسك نفسها، وقالت وهي بتهمس:
– بس أنا كنت محتاجه أعرف منك يا بابا… منك إنت. مش اكتشف لوحدي .
صوته جه حنين أوي، بس فيه تعب واضح:
– عارف يا هاجر، وعندك حق... يمكن كنت فاكر إني بحميكي، بس طلع إني وجعتك أكتر.
هاجر بابتسامه باهتة وهي بتمسح دمعة نزلت رغم عنها:
– أنا بس كنت محتاجه أحس إن في حد بيقولي الحقيقه، حتى لو هتوجعني.
باباها اتنهد وقال بحنيه:
– يمكن غلطت، بس عمري ما كنت عايزك تحسي إني بعيد أو بخبي عنك.
وبعدين بصوت واطي:
– وحشتيني يا هاجر مش هتيجي تزوريني تاني.
هاجر بصت ف المراية وهي بتحاول تمسك نفسها من العياط:
– وإنت كمان يا بابا، وحشتني أوي
هجيلك قريب حاضر.
قفلوا المكالمة، بس في قلبها حاجات كتير ما خلصتش...
كل اللي جواها كان خليط من وجع وحنين وخوف....
هاجر فضلت ساكته بعد المكالمة، ماسكه الموبايل في إيدها ومش قادرة تستوعب اللي حصل.
حست إن قلبها بيتكسر للمرة المليون، المرة دي لما عرفت إن حتى أبوها خبّى عنها.
وقفت قدام المراية، وشها باين عليه الإرهاق، عنيها فيها لمعة حزن مش بتروح، مسحت دموعها بسرعة وقالت لنفسها:
– كفاية ضعف يا هاجر… قومي.
نزلت من البيت بخطوات بطيئة،
ركبت العربية، وشغلت الراديو، بس أول أغنية طلعت كانت عن الفُقد… فقفلته فورًا.
طول الطريق كانت ساكته، بتفكر ف كل حاجه ومفيش حاجة مفهومة.
وصلت عند عيادة الدكتورة رقيّة، دخلت وهي بتحاول تبين إنها هادية، بس عينيها كانت بتحكي غير كده.
السكرتيرة أول ما شافتها قالت بابتسامة:
– اتفضلي يا أستاذة هاجر، الدكتورة مستنياكي.
فتحت باب الأوضة، لقت رقيّة قاعدة ووشها فيه طيبه واهتمام، رفعت راسها من الورق وقالت بهدوء:
– أخيرًا جيتي يا هاجر… كنت مستنياكي.
هاجر ابتسمت ابتسامة ضعيفة، وقعدت قدامها وقالت بصوت خافت:
– يمكن اتأخرت… بس كنت محتاجة أتكلم النهارده.
رقيّة مالِت لقدّام وقالت بلُطف:
– تمام يا حبيبتي، احكيلي… إيه اللي وجعك المرة دي؟
– حاجات كتير أوي يا دكتوره، تخيلي… رجعت من السفر ألاقي ماما اتجوزت، من غير ما تقولي!
أعرف كده بالصدفة! كأنّي غريبة عنها، كأنّي مش بنتها…
ولما سألتها عن الكلب بتاعي، “روي”، قالتلي مات… وأنا صدقت!
وهو طلع عايش!
كدبت عليا في حاجات كنت شايفاها بسيطة بس هي بالنسبالي وجع.
دموعها نزلت غصب عنها، مسحتها بإيدها بسرعة وقالت وهي بتكمل:
– حتى بابا… بابا اللي كنت فاكره مبيخبيش عني حاجة، كنت بفتكر إنه الوحيد اللي صادق معايا…
طلع هو كمان عارف إنها اتجوزت، وساكت!
خبا عني زيها بالظبط…
أنا مش عارفه هو أنا اللي غريبة؟ ولا هما اللي بعدوا؟
رقيّة قالت بهدوء وهي بتميل ناحيتها:
– اللي حصل معاكي مش بسيط يا هاجر، وإحساسك بالغدر طبيعي جدًا…
بس عايزاكي تفهمي حاجة، الناس ساعات بتخبّي مش عشان تأذي، بتخبّي عشان خايفة تكسرك، بس للأسف بيكسرونا أكتر لما يسكتوا.
هاجر رفعت عينيها ليها، وقالت بصوت مخنوق:
– يعني أعمل إيه؟ أكرههم؟ ولا أكمّل كأني مش شايفة؟
رقيّة ابتسمت ابتسامة هادية وقالت:
– لا تكرهي، ولا تتجاهلي… واجهي، بس المرة دي مش بالكلام، واجهي بإحساسك.
لما تشوفيهم، ما تلبسيش وش البنت القوية، خليكِ طبيعية، يمكن ساعتها يحسّوا قد اي إنتي كنتِ محتاجة حب مش أسرار.
هاجر سكتت، وبصت ف الفراغ.
عيونها نزلت دموع، دموع خفيفة في الأول، بس فجأة اتبدلت بحرارة غريبة،
والدم بدأ يختلط بيها، ينزل بهدوء على خدها زي وجع ساكت مش لاقي طريق غير كده.
هاجر بصوت مبحوح من الألم:
– بدأت أعيّط دم من تاني… كان بقالي كتير معيطش كده، كنت فاكراه راح خلاص.
رقيّة بصت لها بهدوء، ملامحها مفيهاش خوف، فيها فهم عميق للحالة دي، وقالت بنبرة حازمة بس حنينة:
– دا معناه إنك مضغوطة جدًا يا هاجر… الـ Haemolacria رجعت لأنك مش بتطلّعي اللي جواكي.
لازم تهدي، تبعدي عن أي توتر أو زعل.
اعملي حاجات جديدة، شوفي شغلك، حياتك، نفسك… بس أهم حاجة تبعدي عن أي ضغط ممكن يكسرِك أكتر.
هاجر مسحت الدم من على خدها بإيديها المرتجفة، وقالت بنبرة فيها وجع واستسلام:
– بحاول يا دكتوره… بس حتى وأنا بهرب من الضغط، بيجيلي لحد عندي.
رقيّه قربت منها وقالت بهدوء:
– ما تهربيش، واجهيه بس بهدوء.
لما تبطّلي تقاومي كل حاجة لوحدك، جسمك هيرتاح… وعينك كمان.
هاجر سكتت، عنيها لسه فيها لمعة الدم والدموع، بس جواها حسّت إن فيه حاجة صغيرة بدأت تتنفس.
رقيّة مدت إيدها بهدوء ناحية المكتب، جابت نضارتها ولبستها، وبدأت تكتب في الملف قدامها.
هاجر كانت لسه قاعدة، ممسكة منديل بتضغط بيه على خدها، بتحاول تمسح أثر الدم اللي كان بينزل من شويه.
الدكتورة بصت لها وقالت بصوت هادي وواضح:
– بصي يا هاجر، أنا هكتبلك على شوية أدوية تساعدك ترجّعي توازنك النفسي.
مش علاج سحري، بس هيساعدك تهدي وتقدري تتعاملي مع الضغط.
هاجر كانت بتسمعها باهتمام، وهي تهزّ راسها ببطء.
رقيّة كملت:
– العلاج دا لازم تمشي عليه لمدة شهر على الأقل، ومعاه جلسات منتظمة.
بس أهم من الدوا يا هاجر… إنك تدي لنفسك فرصة ترتاح، تبطّلي تحاربي كل حاجة لوحدك.
هاجر خدت الورقة منها، بصّت فيها شويه وقالت بنبرة فيها امتنان صغير:
– حاضر يا دكتوره… هحاول.
رقيّة ابتسمت وقالت:
– وأنا هنا دايمًا يا هاجر، مش بس كدكتوره، كحد شايفك بجد.
هاجر ابتسمت ابتسامة ضعيفة، فيها شكر أكتر من ألف كلمة، وقامت بهدوء تمشي، والورقة في إيدها ....
#مغرم_مجنون
البارت السابع
رجعت هاجر للفيلا وهي حزينه،
كانت خطواتها تقيلة كأنها شايلة الدنيا على كتفها.
قالت ف نفسها بصوت مبحوح:
" يا رب انا موجوعه.... ليه كل التعب اللي ف حياتي دا؟ أنا تعبت... تعبت من كل حاجه، نفسي أعيش حياه طبيعيه بقى."
قعدت على السرير، وفضلت تبص ف السقف،
وف وسط شرودها، موبايلها رن برساله.
مدت إيدها بكسل، وفتحتها:
"آنسة هاجر، حضرتك اتقبلتي ف الشركة وممكن تبدأي شغل من بكره."
ابتسامه صغيرة اترسمت على وشها،
واتنهدت تنهيدة طويلة كأنها أول نفس راحة من سنين.
في شركة راكان — منتصف النهار
كان راكان قاعد ورا مكتبه الكبير، ضهره مسنود على الكرسي الجلدي، وعينيه مركزة في الشاشة قدامه، بس تفكيره كان في حتة تانية خالص.
حسّ بخطوات عبدالرحمن وهو داخل المكتب، فابتسم وقال بهدوء:
– بقولك يا معلم، في واحدة اسمها هاجر قدمت في شغل الترجمة عندنا؟
عبدالرحمن رفع حاجبه وهو بيفكر:
– هاجر… استنى كده، آه، هاجر أحمد، فاكرها في الأوراق. ليه؟
راكان رفع عينيه ليه، وابتسامة خفيفة ظهرت على وشه:
– دي هاجر بنت مرات ابويا.
عبدالرحمن اتسمر في مكانه، وطلع صوته بنبرة اندهاش صافية:
– بتهزر!
– والله العظيم بتكلم بجد.
ضحك عبدالرحمن وهز راسه بخفة:
– ياااه، الدنيا فعلاً صغيرة… من بين كل الشركات في الدنيا، تختار شركتك انت بالذات!
راكان أطلق تنهيدة فيها سخرية خفيفة وقال:
– أهو القدر بيلعب لعبته، دايمًا بيرجعنا لنفس النقطة.
عبدالرحمن بص له بنظرة فيها تساؤل حقيقي:
– طب هي تعرف إنك صاحب الشركة؟
– لا، ومش ناوي أقولها، هخليها تكتشف بنفسها.
عبدالرحمن سكت لحظة، وبعدها قال بصوت فيه نصيحة صافية:
– خُد بالك يا راكان، البنت دي عصبية شوية… لو عرفت، رد فعلها مش مضمون.
راكان ضحك بخفة وقال بثقة:
– متقلقش، أنا عارف أتعامل مع الغضب… حتى لو جاي من هاجر.
وفجأة، اتخبط الباب بخفة.
رفع راكان صوته:
– اتفضل.
دخلت ياسمين بخطوات محسوبة، ريحتها سبقت كلامها، وشعرها المربوط لورا كان باين عليه النظام والاهتمام.
مدت إيدها بورقة وقالت بابتسامة فيها احترام واحتراف:
– مستر راكان، دا جدول مواعيدك النهارده.
راكان أخد الورقة منها وقال بهدوء:
– تمام، شكراً يا ياسمين.
في اللحظة دي، عبدالرحمن كان واقف جنب المكتب، بس عينيه ما قدرتش تتجاهلها.
اتسعت ابتسامته، وقال في سره وهو مش قادر يخبي انبهاره:
– اللهم صلّي على النبي… الجمال دا كله في جدول مواعيد؟
ياسمين
بَصّت له بنظرة فيها قرف متغلف بالاحتقار الهادئ،
نظرة قصيرة بس وجعت كرامته أكتر من أي كلام،
وبعدين من غير ما تنطق ولا كلمة، لفت وخرجت بخطوات ثابتة.
ساعتها راكان انفجر ضاحك وهو بيقول:
– أهو دا اللي بيحصل لما تبص كده لأي موظفة!
عبدالرحمن حط إيده على راسه وقال بإحراج:
– نفسي تديني وش…
راكان بضحكه: لما تكتفي بيها هي بس ومتبصش برا هاتديك قلبها
ضحك الاتنين، لكن جوا راكان،لكن في وسط الضحك، راكان حس فجأة بحاجة تقيلة جوه قلبه…
مش على ياسمين ولا عبدالرحمن —
لكن على اسم “هاجر” اللي لسه بيرن في ودنه،
كأنه بيقول له: لسه الحساب ما انتهاش.
يتبع
❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙❤️🌹🌺💙